إنهما كالعين والبصر لا يمكن تفريقهما في المعنى فحيث ما وجد أحدهما سيوجد الآخر وأكبر من الكتابة (الإنسان) الذي يكتب والفنان الذي يرسم بكلماته ملامح الحضارة ويخترع طرقاً ليدون الأفكار ، تارةً ينحتها على الصخر أو في الطين ، وتارةً يرسمها على جدران المعابد والمنازل وتارةً ينقشها على جلود الحيوانات أو يطبعها على ورق البردي ، حتى توصل الإنسان لإختراع المطبعة التي غيرت وجهة الحضارة الإنسانية وإقامة ثورة الكتابة ، لذا فليس من قبيل المبالغة أن يعتبر (الكتاب) ذاكرة الإنسانية على مر العصور أو إمتداد الذاكرة والمخيلة والأفكار ، فكما يقول بورخس
من بين كل أدوات الإنسان يعد (الكتاب) الأكثر إثارة للدهشة فالأدوات الأخرى إمتدادات لجسمه فمثلاً : الميكرسكوب والتلسكوب إمتداد رؤيته والهاتف إمتداد صوته المحراث والسيف إمتداد لذراعه أما (الكتاب) فهو شيء آخر إنه إمتداد ذاكرته .
وفي تعريفه للكتاب يقول الكاتب الجاحظ: (لا أعلم جاراً أبر) و (لا رفيقاً أطوع) و (لا معلماً أخضع) و (لا صاحباً أضهر كفاية) و (لا أقل جناية ) و (لا أحفل أخلاقاً) و (لا أزهد في جدلاً)من الكتاب و (لا أعلم شيئاً يجمع من التدابير العجيبة والعلوم الغريبة ومن آثار العقول الصحيحة ومحمود الأذهان اللطيفة ومن الحكم الرفيعة ومن الاخبار عن القرون الماضية والبلاد المتنازحة مثلما يجمع لك (الكتاب) .
يرجع تاريخ الكتابة إلى فجر التاريخ لكن أقدم ما وصل إلينا هي الكتابة السومرية وأقدم أعمال مكتوبة تم العثور عليها في مدينة أوغريت وهي اللاذقية في سوريا ويعود تاريخها إلى ماقبل الميلاد بـ (3500) سنة وكانت طريقة الكتابة السومرية هي الحفر على ألواح الطين قبل أن تجف .
وقد إندثرت الكتابة السومرية بعد أن ظلت متداولة لمدة الفي عام بين الشعوب القديمة وقبائل جنوب غرب آسيا وظلت حتى القرن الميلادي الأول ثم إندثرت ولم يعد لها إمتداد في تاريخ الكتابة سوى ما خلفته من آثار، كالكتابة التصويرية والنحت المسماري على عكس الكتابة الهيروغلوفية والتي كان يستخدمها المصريون القدماء على ورق البردي ثم إنتقلت إلى اليونانيين في القرن السادس عشر قبل الميلاد ومن اليونان إنتشرت عدة ابجديات مشتقة في أغلبها من الأصل الهيروغلوفي حيث تكونت حينها مملكة النبط وعاصمتها البتراء ووجد وقت إذن ماعرف بالخط النبطي حيث إبتدعوه لأنفسهم إشتقاقاً من الخط الأرامي ثم زالت مملكة النبطي في أواخر القرن الثاني بعد الميلاد .
ومع ذلك ظلت طريقتهم في الكتابة باقية يكتب بها الأعراب النازلون من أقصى شمال الجزيرة ، ومن وقتها مرت الأبجدية العربية بعدة تطورات حتى أصبحت كما هي الآن ،وثمة آراء أخرى بأن الأبجدية العربية قد تطورت عن الأبجدية الحميرية التي كانت مستخدمة في مملكة حمير باليمن لكن حتى الآن لاتوجد أي أدلة قاطعة تربط بين أبجدية اليمن الحميرية والأبجديات القادمة من الشمال الأعلى.
وقد مرت الكتابة بعدة تطورات حديثة من بينها إختراع أبجدية مورس للكتابة المشفرة وقد إستخدمت في البداية لأغراض عسكرية وأمنية وقامت الثورة التي جعلت الكتابة تنتشر في شتى بقاع الأرض وبكل اللغات المعروفة وذلك عندما قام الألماني (يوهان جوتنبرج) بإختراع آلة الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر لتظهر بعد ذلك أشكال متطوره من الكتابة كالصحافة والمجلات وتواصل التطور حتى القرن العشرين لتظهر أشكال جديدة فرضتها التقنية الحديثة كالكتاب الإلكتروني الذي يُكتب ويُقرأ من خلال شاشات الحواسيب المتقدمة وتواصل التقدم ليظهر بعد ذلك الكتاب المسموع وأصبحت المعرفة التي إختزنتها الأوراق طويلاً تنتقل عبر موجات صوتيه لتصل إلى سمع المتلقي بكل يسر وسهوله وهذا هو الشكل الأحدث للكتاب وهو المستقبل القريب الذي يُنبئ عنه تطور تقنية الإتصالات والأجهزة الرقمية المحمولة .
ويحتفل العالم سنوياً في الثالث والعشرون من ابريل/نيسان كيوم عالمي (للكتاب) وقد تم إختيار هذا اليوم بالترتيب بين بعض المؤسسات الثقافية العالمية مثل اليونسكو وعدد من الهيئات الثقافية والعلمية التابعة لبعض الدول وذلك إحتفاءً (بالكتاب) وتقديرأ لهذا الرمز العظيم المرادف للحضارة والتاريخ والفن والذاكرة الإنسانية .
[/justify]